يحرص الإسلام على بناء الأسرة وفق أسس متينة تضمن لها البقاء والتماسك والاستمرار، إلا أن الأمر لا يخلو من إمكانية وقوع خلافات أو منغصات بين الحين والآخر، فالقلوب معرضة للتغير، وقد يحل الشقاق محل التفاهم والوئام ، هنا ينبغي على القادرين أن يسعون إلى إصلاح ذات البين، من منطلق الحرص على مصالح الناس والتعاون على البر والتقوى، والحفاظ على المجتمع من مخاطر التنابذ والفرقة.
يتحدث فضيلة الدكتور خالد البكر، الداعية والمحاضر، أنه لا يكاد يمر يوم إلا وكل منا قد أخطأ بحق إنسان، بكلمة، أو بنظرة أو بتصرف، وحتى إن أنت سَلِمت من هذا ، ربما يخطئ الناس في حقك، طالما أن الإنسان له أحاسيس ومشاعر، فطبيعي جدا أن تصدر منه الأخطاء وأن تقع منه المشكلات، فكل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون، معظمنا يؤمن بهذا الكلام نظريا، لكن إذا ما جاء المحك العملي ننسى كل ذلك، ونفترض أن الزوجة والأبناء والشخصيات التي نخالطها معصومة، فلو كان ثمة من يستحق أن يكون معصوما لكان الصحابة، أفضل الناس، لكن المعصومين في الدنيا صنفان فقط ؛ الأنبياء والملائكة، وأنا وأنت يجب أن نفهم أننا لسنا أنبياء، ولا ملائكة.
يري الدكتور البَكر أن المشكلات هي ملح الحياة، وخاصة في العلاقات العائلية، فلو ظلت الحياة الزوجية رتيبة ستورث الملل، وعليه فإن الأزمات قد تكون سببا في تنشيط العلاقات وإعادة بناء أواصر المحبة من جديد بين أفراد الأسرة.
هنا يجب أن ننتبه لأمر عظيم، هو التَثبُت، يرى الشيخ أن مشكلتنا أننا أحياننا نبني مواقف على أمور لم تقع أصلا، ولم نحاول أن نتثبت من حدوثها، فعند معظمنا قابلية لسوء الظن بالآخرين، وكثير من الأسر تعاني من هذا الصنف من الناس؛ الذي ما إن يسمع خبرا عن أهل بيته، يسرع في اتخاذ قرارات - ربما كانت خطيرة - دون أن يتثبت، كأنه لم يسمع يوما بالآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصِبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين) الحجرات:6.
كما أن هناك مشكلات تتعلق بالدنيا وأخرى تتعلق بالدين ، لا ينبغي أن يستويان، ولا أن نتعامل معها جميعا بنفس الكيفية، لأن بعض الناس يخاف من العيب أكثر من الحرام، يخاف من انتقاد الآخرين ويضخم مسألة العيب أكثر من أن يُعنَى بمسألة الحلال والحرام.
من ناحية أخرى، يؤكد الشيخ أننا لا بد أن ننتبه لطبيعة المخطئ، فتعاملك مع الخطأ الذي يقع من والدك يختلف إن كان المخطئ هو طفلك، يختلف كذلك إن كان الخطأ من شخص علاقتك به عابرة وربما لن تراه أو تختلط به في الأمد القريب.
فتعاملنا مع أبنائنا وأزواجنا يحتاج إلى صبر وأناة وطول نفس، وحكمة في تمييز طبيعة الخطأ وطبيعة المخطئ، وللأسف فإن مفهوم (يُكَفرن العشير) بات ينطبق على كثير من الرجال، حيث نجد من ينسى كل فضل وخير قدمته الزوجة، ولا يتكئ إلا على خطأ قد صدر عنها ربما في لحظة غضب.
الأساليب والوسائل لمعالجة المشكلات والأخطاء
أولا الرفق، يرى الدكتور خالد أن الإنسان ينبغي أن يتحلى بالرفق أثناء تعامله مع الآخرين قدر الإمكان، الله تعالى خاطب نبيه (ولَوْ كُنْتَ فَظَّا غَلِيظَ الْقَوْلِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك ) آل عمران: 159، لا يكفي أن تكون صاحب حجة، حقيقة قوة إيمانك بالآية وبأحاديث الرفق تستبين حين وقوع المشكلة وانفعالك بشأنها، فنجد أن بعض الناس يبخل بأبسط كلمات الترضية التي قد تُنهي الموقف وتحل الإشكال دون أن يتطور الأمر.
ثانيا : تجنب كثرة اللوم، بعض الآباء والأزواج يعشق اللوم والتأنيب على كل حركة وسكَنة، خصوصا في حالة الرجال بعد سن التقاعد، يتصورون أن اللوم المستمر بهذه الطريقة هو دليل على الاهتمام والمحبة، لكن في الحقيقة هو سلوك منفر، يخلق مشكلات وخلافات طيلة الوقت، فكثرة التوبيخ واللوم تحطم الشخصية، وتخلق شخصيات مهزوزة، فاقدة الثقة في نفسها، فكم من الموهوبين والمبدعين فقدوا موهبتهم وتميزهم بسبب تقريع آبائهم المستمر، واستهانة ذويهم بقدرهم.
ثالثا : ضع نفسك مكان المخطئ، حتى تتفهم الدوافع والمبررات وتبني بعد ذلك حكمك على أسس سليمة.
رابعا : أزل الغشاوة عن أعين المخطئ، أحيانا الأبناء يقترفون أخطاء بحسن نية، وهم لا يدركون أبعاد الخطأ وعواقبه، لا تعنفوهم ولا تتهكموا عليهم، فقط اقتربوا من أبنائكم، أزيلوا الحواجز بينكم وبينهم ، فكلما ضاقت الحلقة، وازداد القُرب، كلما قل التعنيف، وشعر الابن بالطمأنينة.
خامسا: تغليب حُسن الظن، يؤكد الشيخ أن النفوس الرائعة هي التي دائما تُحسن الظن بالآخرين، وتُقدِم المحبة قبل الحجة، فإذا نجح المرء في كسب قلوب الآخرين، فقد نجح في تجنب الكثير والكثير من مشكلات ومعوقات الحياة.
وأخيرا ينصح الشيخ بأن يحاول المرء تقديم بدائل، فأحيانا الأمر يستحق تقديم بعض التضحيات والتنازلات لتجاوز المشكلة، وإعادة بناء العلاقات من جديد.